فصل: السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ست وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة العشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ست وأربعمائة

فيها منع فخر الملك يوم عاشوراء من النوح مخافة الفتنة وكان الشريف الرضي قد توفي في خامس المحرم فاشتغلوا به وكان قد وقع بالعراق وباء عظيم خصوصًا بالبصرة‏.‏

وفي صفر قلد الشريف المرتضى نقابة الطالبيين والحج والمظالم بعد موت أخيه الشريف الرضي بإشارة سلطان الدولة فخر الملك‏.‏

وفيها ولى الحاكم شاتكين شهم الدولة دمشق وعزله سنة ثمان‏.‏

وفيها لم يحج أحد من العراق وحج الناس من مصر وغيرها‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الاسفرايني الفقيه الشافعي كان إمامًا فقيهًا عالمًا انتهت إليه رياسة مذهب الشافعي في زمانه‏.‏

كان يقال‏:‏ لو رآه الشافعي لفرح به‏.‏

وكان يتوسط بين الخليفة القادر وبين السلطان محمود بن سبكتكين‏.‏

ومات ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشريف أبو الحسن الرضي الموسوي ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة‏.‏

كان عارفًا باللغة والفرائض والفقه والنحو وكان شاعرًا فصيحًا عالي الهمة متدينًا إلا أنه كان على مذهب القوم إمامًا للشيعة هو وأبوه وأخوه‏.‏

ومن شعره من جملة أبيات‏:‏ يا صاحبي قفا لي واقضيا وطرًا وحدثاني عن نجد بأخبار هل روضت قاعة الوعساء أو مطرت خميلة الطلح ذات البان والغار تضوع أرواح نجدٍ من ثيابهم عند القدوم لقرب العهد بالدار وفيها توفي محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر الأصبهاني الفقيه المتكلم كان إمامًا عالمًا استدعي إلى نيسابور وتخرج به جماعة في الأصول والكلام وله فيهما تصانيف‏.‏

وكان رجلًا صالحًا سمع الحديث وروى عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وغيرهما‏.‏

قتله محمود بن سبكتكين بالسم لكونه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا في حياته فقط وإن روحه قد بطل وتلاشى وليس هو في الجنة عند الله تعالى يعني روحه صلى الله عليه وسلم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة سبع وأربعمائة‏:‏ فيها وقعت القبة الكبيرة التي على الصخرة ببيت المقدس‏.‏

وفيها كانت الفتنة بين الرافضة وأهل السنة بواسط ونهبت دور الشيعة والعلويين وقصدوا علي بن مزيد واستنصروا به‏.‏

وفيها احترق مشهد الحسين بن علي بكربلاء من شمعتين غفلوا عنهما‏.‏

وفيها في أولها تشعب الركن اليماني من البيت الحرام‏.‏

وفيها كانت الوقعة بين سلطان الدولة وبين أخيه أبي الفوارس وانهزم أبو الفوارس‏.‏

وفيها ملك السلطان محمود بن سبكتكين خوارزم‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست أبو عبد الله كان حافظًا متقنًا مات في شهر رمضان‏.‏

وفيها توفي سليمان بن الحكم الأموي المغربي صاحب الأندلس‏.‏

وثب عليه رجلان ادعيا أنهما من الأشراف وتغلبا على الأندلس‏.‏

وكانت مدة ولاية سليمان هذا على الأندلس ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام‏.‏

وانقطعت بموته ولاية بني أمية على الأندلس سبع سنين وثمانية أشهر وأيامًا ثم عادت سنة أربع عشرة وأربعمائة‏.‏

وفيها توفي محمد بن علي بن خلف أبو غالب الوزير فخر الملك‏.‏

أصله من واسط وكان أبوه صيرفيًا فتنقلت به الأيام إلى أن استوزره بهاء الدولة وبعثه نائبًا عنه إلى بغداد‏.‏

وكان جوادًا ممدحًا‏.‏

أثر ببغداد الآثار الجميلة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏

السنة الثانية والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثمان وأربعمائة‏:‏ فيها عزل الحاكم شاتكين من إمرة دمشق وكان ظالمًا غشومًا وهو الذي بنى جسر الحديد تحت قلعة دمشق واتفق أن يوم فراغ الجسر قال‏:‏ لا يعبر غدًا أحد عليه‏.‏

فلما أصبح جلس على الباب ينظر إليه وقد عزم على أن يكون أول من يركب ويعبر عليه وإذا بفارس قد أقبل فعبر عليه فأنكره وقال‏:‏ من أين قال‏:‏ من مصر وناوله كتابًا من الحاكم بعزله‏.‏

فقال بعض أهل دمشق‏:‏ عقد الجسر وقد ح - - ل عراه بيديه ما درى أن عليه يعبر العزل إليه ولم يحج أحد في هذه السنين إلى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة أعني من العراق‏.‏

وفيها توفي شباشي المشطب ولقبه السعيد وكنيته أبو طاهر مولى شرف الدولة بن عضد الدولة بن بويه‏.‏

ولقبه بهاء الدولة بالسعيد وذي الفضيلتين ثم لقب بهاء الدولة أبا الهيجاء بختكين بالمناصح وأشرك بينهما في أمور الأتراك ببغداد‏.‏

وكان السعيد هذا كثير الصدقات فائض المعروف والإحسان لأهل بغداد كان يكسو الأيتام والضعفاء وينظر في حال الفقراء وكان من محاسن الدنيا وعاش بعد المناصح رفيقه ستة أشهر ومات‏.‏

وكان رفيقه المناصح أيضًا من رجال الدهر وعقلائهم ومن أعلاهم همة ولم يخلف بعده مثله‏.‏

وفيها توفي محمد بن إبراهيم بن محمد أبو الفتح الطرسوسي المجاهد في سبيل الله استوطن بيت المقدس بنية الرباط وتوفي به‏.‏

الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وأربعمائة‏:‏ فيها توفي عبد الله بن محمد بن أبي علان أبو محمد قاضي الأهواز وأحد شيوخ المعتزلة كان فاضلًا صنف الكتب الكثيرة في علم الكلام وغيره‏.‏

ومن جملة تصانيفه‏:‏ كتاب جمع فيه فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له فيه ألف معجزة وكان له مال عظيم وضياع كثيرة‏.‏

وفيها توفي عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان بن عبد العزيز بن مروان الحافظ أبو محمد المصري المحدث المشهور مولده في ثاني ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وسمع الكثير وبرع في علم الحديث وصنف الكتب‏:‏ منها كتاب المؤتلف والمختلف وكان عالمًا بأسامي الرجال وعلل الحديث‏.‏

وكان الدارقطني يعظمه ويقول‏:‏ ما رأيت في طريقي مثله ما اجتمعت به وانفصلت منه إلا بفائدة‏.‏

ومات بمصر في شوال وفيها توفي علي بن نصر أبو الحسن مهذب الدولة صاحب البطيحة كان جوادًا ممدحًا صاحب ذمة ووفاء وهو الذي استجار به القادر بالله قبل أن يتخلف فأجاره ومنع الطائع منه وقام في خدمته أحسن قيام‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين أبو عبد الله العلوي ولاه الحاكم القضاء والنقابة والخطابة بدمشق وكان في القضاء قبل ذلك نائبًا عن مالك بن سعيد ابن أخت الفارقي قاضي قضاة الحاكم وكانت وفاته بدمشق في شهر رمضان‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وثماني أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي سنة عشر وأربعمائة‏:‏ فيها جلس الخليفة القادر بالله ببغداد وحضر القضاة وكتب عهد أبي الفوارس بن بهاء الدولة على كرمان وأعمالها وبعث إليه بالخلع السلطانية على العادة‏.‏

وفيها ورد كتاب السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين على الخليفة القادر بما فتحه من بلاد وفيها توفي إبراهيم بن مخلد بن جعفر بن إسحاق أبو إسحاق الباقرجي كان محدثًا صدوقا جيد النقل حسن الضبط من أهل الديانة والعلم والأدب وكان يتفقه على مذهب محمد بن جرير الطبري‏.‏

وفيها توفي محمد بن المظفر بن عبد الله أبو الحسن المعدل كان فاضلًا شاعرًا مات ببغداد في جمادى الأولى‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن سلامة أبو القاسم الضرير البغدادي كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن وسمع الحديث ورواه وكان ثقة صالحًا‏.‏

وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ أبو بكر الأصبهاني في شهر رمضان قاله الذهبي‏.‏

وكان إمامًا حافظًا ثقة سمع الكثير وروى عنه جماعة‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي الحافظ أبو عمر الفارسي البزاز في شهر رجب عن إحدى وتسعين سنة وأشهر وكان إمامًا فقيهًا محدثًا ثقة من كبار المشايخ‏.‏

وفيها توفي عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أبو القاسم الشاعر المشهور أحد الشعراء المجيدين المكثرين وديوانه في ثلاثة مجلدات‏.‏

ومن شعره بيت من جملة قصيدة في غاية ومر بي النسيم فرق حتى كأني قد شكوت إليه ما بي ومات ببغداد‏.‏

وبابك بفتح الباءين الموحدتين وبينهما ألف وفي الآخر كاف‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة تسع عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏

السنة الخامسة والعشرون من ولاية الحاكم منصور وهي التي مات فيها الحاكم حسب ما ذكرناه في ترجمته‏.‏

والسنة المذكورة سنة إحدى عشرة وأربعمائة‏:‏ فيها توفي محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الفرج الدمشقي ويعرف بابن المعلم وهو الذي بنى الكهف بقاسيون ويقال له كهف جبريل وفيه المغارة التي يقال‏:‏ إن الملائكة عزت آدم عليه السلام فيها لما قتل قابيل هابيل‏.‏

وكان محمد هذا شيخًا صالحًا زاهدًا عابدًا مات في شهر رجب ودفن بمقبرة الكهف‏.‏

وفيها توفي الحسن بن الحسن بن علي بن المنذر أبو القاسم كان إمامًا فاضلًا محدثًا ومات ببغداد في هذه السنة‏.‏

وممن ذكر الذهبي وفاتهم قال‏:‏ وتوفي أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي والحاكم منصور بن العزيز العبيدي صاحب مصر يعني صاحب الترجمة وأبو القاسم الحسن بن الحسن بن علي بن المنذر ببغداد وأبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ببلخ‏.‏

انتهى‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثماني أذرع وخمس أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

ولاية الظاهر لإعزاز دين الله هو الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم وقيل‏:‏ أبو الحسن علي بن الحاكم بأمر الله أبي علي منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي عبيد الله العبيدي الفاطمي المغربي الأصل المصري المولد والمنشأ والوفاة الرابع من خلفاء مصر من بني عبيد والسابع من المهدي‏.‏

مولده بالقاهرة في ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وولي الخلافة بعد قتل أبيه الحاكم في شوال من سنة إحدى عشرة وأربعمائة حسب ما ذكرناه مفصلًا في أواخر ترجمة أبيه الحاكم وقيام عمته ست الملك في أمره‏.‏

وقال صاحب مرآة الزمان‏:‏ وولي الخلافة في يوم عيد النحر سنة إحدى عشرة وأربعمائة وله ست عشرة سنة وثمانية أشهر وخمسة أيام وتم أمره‏.‏

ووافقه على ذلك القاضي شمس الدين بن خلكان لكنه قال‏:‏ وكانت ولايته بعد أبيه بمدة لأن أباه فقد في السابع والعشرين من شوال سنة إحدى عشرة وأربعمائة وكان الناس يرجون ظهوره ويتبعون آثاره إلى أن تحققوا عدمه فأقاموا ولده المذكور في يوم النحر‏.‏

انتهى كلام ابن خلكان‏.‏

وقال أبو المظفر في المرآة‏:‏ وملك الظاهر لإعزاز دين الله سائر ممالك والده مثل الشام والثغور وإفريقية وقامت عمته ست الملك بتدبير مملكته أحسن قيام وبذلت العطاء في الجند وساست الناس أحسن سياسة‏.‏

وكان الظاهر لإعزاز دين الله عاقلًا سمحًا جوادًا يميل إلى دين وعفة وحلم مع تواضع‏.‏

أزال الرسوم التي جددها أبوه الحاكم إلى خير وعدل في الرعية وأحسن السيرة وأعطى الجند والقواد الأموال واستقام له الأمر مدة وولى نوابه بالبلاد الشامية إلى أن خرج عليه صالح بن مرداس الكلابي وقصد حلب وبها مرتضى الدولة أبو نصر بن لؤلؤ الحمداني نيابة عن الظاهر هذا فحاصرها صالح المذكور إلى أن أخذها‏.‏

ثم تغلب حسان بن المفرج بن دغفل البدوي صاحب الرملة على أكثر الشأم وتضعضعت دولة الظاهر‏.‏

واستوزر الوزير نجيب الدولة علي بن أحمد الجرجرائي‏.‏

وكان الوزير هذا من بيت حشمة ورياسة وكان أقطع اليدين من المرفقين قطعهما الحاكم بأمر الله في سنة أربع وأربعمائة وكان يكتب عنه العلامة القاضي أبو عبد الله القضاعي وكانت العلامة الحمد لله شكرًا لنعمته‏.‏

ولم يظهر أمر هذا الوزير إلا بعد موت عمة الظاهر ست الملك بعد سنة خمس عشرة وأربعمائة‏.‏

وكان الظاهر لإعزاز دين الله كثير الصدقات منصفًا من نفسه لا يدعي دعاوى والده وجده في معرفة النجوم وغيرها من الأشياء المنكرة لا سيما لما وقع من بعض حجاج المصريين كسر الحجر الأسود بالبيت الحرام في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة‏.‏

وكان أمر الحجر أنه لما وصل الحاج المصري إلى مكة المشرفة وثب شخص من الحاج إلى الحجر الأسود وهو مكانه من البيت الحرام وضربه بدبوس كان في يده حتى شعثه وكسر قطعًا منه وعاجله الناس فقتلوه وثار المكيون بالمصريين فقتلوا منهم جماعة ونهبوهم حتى ركب أبو الفتوح الحسن بن جعفر فأطفأ الفتنة ودفع عن المصريين‏.‏

وقيل‏:‏ إن الرجل الذي فعل ذلك كان من الجهال الذين استغواهم الحاكم وأفسد عقائدهم‏.‏

فلما بلغ الظاهر ذلك شق عليه وكتب كتابًا في هذا المعنى‏.‏

قال هلال بن الصابىء‏:‏ وجدت كتابًا كتب من مصر في سنة أربع عشرة وأربعمائة على لسان المصريين وهو كتاب طويل فمنه‏:‏ وذهبت طائفة من النصيرية إلى الغلو في أبينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه غلت وأدعت فيه ما ادعت النصارى في المسيح‏.‏

ونجمت من هؤلاء الكفرة فرقة سخيفة العقول ضالة بجهلها عن سواء السبيل فغلوا فينا غلوًا كبيرًا وقالوا في آبائنا وأجدادنا منكرًا من القول وزورًا ونسبونا بغلوهم الأشنع وجهلهم المستفظع إلى ما لا يليق بنا ذكره‏.‏

وإنا لنبرأ إلى الله تعالى من هؤلاء الجهلة الكفرة الضلال‏.‏

ونسأل الله أن يحسن معونتنا على إعزاز دينه وتوطيد قواعده وتمكينه والعمل بما أمرنا به جدنا المصطفى وأبونا علي المرتضى وأسلافنا البررة أعلام الهدى‏.‏

وقد علمتم يا معشر أوليائنا ودعاتنا ما حكمنا به من قطع دابر هؤلاء الكفرة الفساق والفجرة المراق وتفريقنا لهم في البلاد كل مفرق فظعنوا في الآفاق هاربين وشردوا مطرودين خائفين‏.‏

وكان من جملة من دعاه الخوف منهم إلى الانتزاح رجل من أهل البصرة أهوج أثول ضال مضل سار مع الحجيج إلى مكة حرسها الله فرقًا من وقع الحسام وتستر بالحج إلى بيت الله الحرام‏.‏

فلما حصل في البيت المفضل المعظم والمحل المقدس المكرم أعلن بالكفر وما كان يخفيه من المكر وحمله لمم في عقله على قصد الحجر الأسود حتى قصده وضربه بدبوس ضربات متواليات أطارت منه شظايا وصلت بعد ذلك‏.‏

ثم إن هذا الكافر عوجل بالقتل على أسوإ حاله وأضل أعماله وألحق بأمثاله من الكفرة الواردين موارد ضلاله ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم‏.‏

ولعمري إن هذه لمصيبة في الإسلام قادحة ونكاية فادحة فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

لقد ارتقى هذا الملعون مرتقى عظيمًا ومقامًا جسيمًا أذكر به ما كان أقدم عليه غلام ثقيف المعروف بالحجاج لعنه الله من إحراق البيت وهدمه وإزالة بنيانه وردمه‏.‏

ثم ذكر كلامًا طويلًا في هذا المعنى يطول الشرح في ذكره‏.‏

انتهى كلام ابن الصابىء‏.‏

وروى ابن ناصر بإسناد إلى أبي عبد الله محمد بن علي العلوي قال‏:‏ وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة كسر الحجر الأسود لما صليت الجمعة يوم النفر الأول بمنى ولم يكن رجع الناس بعد من منى قام رجل ممن ورد من ناحية مصر بيده سيف مسلول وبالأخرى دبوس بعدما قضى الإمام الصلاة فقصد الحجر الأسود ليستلمه على الرسم فضرب وجه الحجر ثلاث ضربات متواليات بالدبوس وقال‏:‏ إلى متى يعبد الحجر‏!‏ ولا محمد ولا علي يقدران على منعي عما أفعله إني أريد أن أهدم هذا البيت وأرفعه‏.‏

فاتقاه الحاضرون وتراجعوا عنه وكاد يفلت‏.‏

وكان رجلًا تام القامة أحمر اللون أشقر الشعر سمينًا وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه فاحتسب رجل من أهل اليمن أو من أهل مكة أو غيرها نفسه فوجأه بخنجر واحتوشه الناس فقتلوه وقطعوه وأحرقوه بالنار وثارت الفتنة وكان الظاهر من القتلى أكثر من عشرين غير ما أخفي منهم‏.‏

وتقشر بعض وجه الحجر في وسطه من تلك الضربات وتخشن‏.‏

وزعم بعض الحجاج أنه سقط منه ثلاث قطع وكأنه ثقب ثلاثة ثقوب وتساقطت منه شظايا مثل الأظفار وموضع الكسر أسمر يضرب إلى صفرة محبب مثل الخشخاش‏.‏

فجمع بنو شيبة ما تفرق منه وعجنوه بالمسك وحشوا تلك المواضع وطلوها بطلاء من اللك فهو بين لمن تأمله وهو على حاله إلى اليوم‏.‏

انتهى‏.‏

ثم بعد هذه الواقعة بلغ الظاهر هذا أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين عظم أمره فأحدث أن يكتب إليه كتابًا يدعوه إلى طاعته فكتب إليه وأرسل إليه بالخلع وأن يخطب باسمه بتلك البلاد‏.‏

وكان أبوه الحاكم بأمر الله أرسل إليه قبل ذلك فخرق محمود بن سبكتكين كتاب الحاكم وبصق فيه ومات الحاكم وفي قلبه من ذلك أمور وقد ذكرنا ذلك في ترجمته‏.‏

فلما علم الظاهر هذا بما كان والده الحاكم عزم عليه من أمر محمود المذكور أخذ هو أيضًا في ذلك وكاتب السلطان محمودًا فلم يلتفت محمود لكتابه وبعث به وبالخلع إلى الخليفة القادر العباسي وتبرأ من الظاهر هذا‏.‏

فجمع القادر القضاة والأشراف والجند وغيرهم ببغداد وأخرج الخلع إلى باب النوبي وكانت سبع جبب وفرجية ومركب ذهب وأضرمت النار وألقيت الثياب فيها وسبك المركب الذهب فظهر منه أربعون ألف دينار وخمسمائة وقيل‏:‏ أخرج منه دراهم هذا العدد فتصدق بها الخليفة القادر على ضعفاء بني هاشم‏.‏

وبلغ الظاهر فقامت قيامته وانكص عن مكاتبة محمود بعدها‏.‏

وكان الظاهر ينظر في مصالح الرعية بنفسه وفي إصلاح البلاد‏.‏

فلما وقع الفناء في ذوات الأربع في سنة سبع عشرة وأربعمائة منع الظاهر من ذبح البقر السليمة من العيوب التي تصلح للحرث وغيره وكتب على لسانه كتاب قرىء على الناس فمنه‏:‏ إن الله تعالى بتتابع نعمته وبالغ حكمته خلق ضروب الأنعام وعمل فيها منافع الأنام فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض المذللة لمصالح الخلق فإن في ذبحها غاية الفساد وإضرارًا للعباد والبلاد‏.‏

وأباح ذبح ما لا يصلح للعمل ولا يحصل به النفع‏.‏

فمنع الناس ذبح البقر‏.‏

وحصل بذلك النفع التام‏.‏

ومات في أيام الظاهر المذكور مبارك الأنماطي البغدادي التاجر وكان له مال عظيم وكان قد خرج من بغداد إلى مصر فتوفي بها في سنة سبع عشرة وأربعمائة وكان معه ثلاثمائة ألف دينار‏.‏

فقال الظاهر‏:‏ هل له وارث فقيل‏:‏ ما له سوى بنت ببغداد فترك الظاهر المال كله للبنت ولم يأخذ منه شيئًا‏.‏

وفي سنة عشرين وأربعمائة خرج على الظاهر بالبلاد الشامية صالح بن مرداس أسد الدولة وحسان بن المفرج بن الجراح وجمعا الجموع واستوليا على الأعمال وانتهيا إلى غزة‏.‏

فجهز الظاهر لحربهما جيشًا عليه القائد أنوشتكين منتخب الدولة التركي أمير الجيوش المعروف بالدزبري فالتقى معهما فانهزم حسان بن المفرج وقتل صالح وابنه الأصغر‏.‏

وبعث الدزبري برأس صالح إلى الظاهر بمصر وأفلت نصر بن صالح الأكبر إلى حلب‏.‏

واستولى الدزبري على الشام ونزل على دمشق وكتب إلى الظاهر كتابًا مضمونه النصر ويعرفه فيه بما جرى وكان بينه وبينهما ملحمة هائلة‏.‏

ولما فرغ الدزبري من القتال مدحه مظفر الدولة بن حيوس بأبيات بسبب هذه الواقعة أولها‏:‏ هل للخليط المستقل إياب أم هل لأيام مضت أعقاب يا مي هل لدنو دارك رجعة أم للعتاب لديكم إعتاب لا أرتجي يومًا سلوا عنكم هيهات سدت دونه الأبواب أو صاب جسمي من جناية بعدكم والصبر صبر بعدكم أو صاب ولمصطفى الملك اعتزام المصطفى لما أحاط بيثرب الأحزاب يومان للإسلام عز لديهما دين الإله وذلت الأعراب طلبوا العقاب ليسلموا بنفوسهم فابتزهم دون العقاب عقاب واستشعروا نصرًا فكان عليهم وتقطعت دون المراد رقاب كانوا حديدًا في الورى لكنهم لما اصطلوا نار المظفر ذابوا المذكور إلى حلب وملكها طمع صاحب أنطاكية الرومي في حلب وجمع الروم وسار إليها وأحاط بها وقاتل أهلها فكبسه شبل الدولة نصر المذكور من داخلها ومعه أهل البلد فقتلوا معظم أصحابه وانهزم ملكهم صاحب أنطاكية إليها في نفر يسير من أصحابه وغنم نصر أموالهم وعساكرهم‏.‏

وقيل‏:‏ كبسه نصر المذكور على أعزاز فغنم منه أموالًا عظيمة‏.‏

وسر الظاهر هذا بنصرة نصر لكون الإسلام يجمع بينهما‏.‏

وكان المتغلبون على البلاد في أيام الظاهر كثيرين جدًا وذلك لصغر سنه وضعف بدنه‏.‏

ووقع له في أيامه خطوب قاساها إلى أن توفي بالقاهرة في يوم الأحد النصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة وعمره إحدى وثلاثون سنة‏.‏

وكانت ولايته على مصر ست عشرة سنة وتسعة أشهر‏.‏

تولى الملك بعده ابنه أبو تميم معد ولقب بالمستنصر وسنه ثماني سنين وقام علي بن أحمد الجرجرائي الوزير بالأمر وأخذ له البيعة وقرر للجند أرزاقهم واستقامت الأحوال‏.‏

وكانت وفاة الظاهر بعلة الاستسقاء طالت به نيفًا وعشرين سنة من عمره‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا أشرنا أنه كان كثرة من تغلب عليه لضعف بدنه وصغر سنه‏.‏

وكان الظاهر جوادًا ممدحًا سمحًا حليمًا محببًا للرعية ولا بأس به بالنسبة لآبائه وأجداده‏.‏

وهو الذي بنى قصر اللؤلؤة عند باب القنطرة وهو من القصور المعدودة بالقاهرة وصار يتنزه به هو ومن جاء بعده من خلفاء مصر من ذريته وأقاربه وكان التوصل إلى القصر من باب مراد وصار الخلفاء يقيمون به في أيام النيل‏.‏

ودام أمر هذا القصر مستقيمًا إلى أن وقع الغلاء بالديار المصرية في زمن المستنصر وذهب من محاسن القاهرة شيء كثير من عظم الغلاء والوباء كما سيأتي ذكره إن شاء الله في محله‏.‏

السنة الأولى من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة‏:‏ فيها وقع بين سلطان الدولة وبين مشرف الدولة بن بويه واستفحل في الآخر أمر مشرف الدولة وخطب له ببغداد في المحرم وخوطب بشاهنشاه مولى أمير المؤمنين وقطعت الخطبة لسلطان الدولة من بغداد‏.‏

وفيها لم يحج أحد من العراقيين ولا في الماضية‏.‏

فقصد الناس يمين الدولة محمود بن سبكتكين وقالوا له‏:‏ أنت سلطان الإسلام وأعظم ملوك الأرض وفي كل سنة تفتح من بلاد الكفر ما تحبه والثواب في فتح طريق الحج أعظم وقد كان الأمير بدر بن حسنويه وما في أمرائك إلا من هو أكبر منه شأنًا يسير الحاج بماله وتدبيره عشرين سنة‏.‏

فتقدم ابن سبكتكين إلى قاضيه أبي محمد الناصحي بالتأهب للحج ونادى في أعمال خراسان بالحج وأطلق للعرب ثلاثين ألف دينار سلمها إلى الناصحي المذكور غير ما للصدقات فحج بالناس أبو الحسن الأقساسي‏.‏

فلما بلغوا فيد حاصرتهم العرب فبذل لهم القاضي الناصحي خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا وصمموا على أخذ الحافي فركب رأسهم جماز بن عدي وقد انضم عليه ألفا رجل من بني نبهان وأخذ بيده رمحًا وجال حول الحاج وكان في السمرقنديين غلام يعرف بابن عفان فرماه بسهم فسقط منه ميتًا وهرب جمعه وعاد الحاج في سلامة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن أحمد أبو سعد الماليني الصوفي الحافظ سافر إلى الأقطار وسمع خلقًا كثيرًا وصنف وصحب المشايخ وكان يقال له طاوس الفقراء‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي أبو علي الدقاق النيسابوري أحد المشايخ كان صاحب حال ومقال‏.‏

قال القشيري‏:‏ سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من تواضع لغني لأجل دنياه ذهب ثلثا دينه ‏"‏ قال‏:‏ لأن المرء بأصغريه قلبه ولسانه فإذا خدمه بأركانه وتواضع له بلسانه ذهب ثلثا دينه فإن خدمه بقلبه ذهب الكل‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن محمد أبو الحسن بن رزقويه البغدادي البزاز ولد سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ودرس الفقه وسمع الحديث فأكثر وكان ثقة صدوقًا كثير السماع حسن الاعتقاد جميل المذهب‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين بن محمد بن موسى أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري الحافظ الكبير شيخ شيوخ الدنيا في زمانه طاف الدنيا شرقًا وغربًا ولقي الشيوخ الأبدال وإليه المرجع في علوم الحقائق والسير وغيرها وله المصنفات الحسان‏.‏

وفيها توفي محمد بن عمر أبو بكر العنبري الشاعر مات يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية الظاهر لإعزاز دين الله على مصر وهي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة‏:‏ فيها وقع الصلح بين سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن بويه وبين أخيه مشرف الدولة على يد الأوحد أبي محمد وزير سلطان الدولة وخطب لسلطان الدولة ببغداد كما كان أولًا قبل الخلاف‏.‏

وفيها توفي علي بن عيسى بن سليمان أبو الحسن القاضي المعروف بالسكري الفارسي مولده في صفر ببغداد سنة سبع وثلاثمائة كان فاضلًا عالمًا‏.‏

مات في شعبان رحمه الله‏.‏

وفيها توفي علي بن هلال الإمام الأستاذ أبو الحسن صاحب الخط المنسوب الفائق المعروف بابن البواب‏.‏

كان أبوه بوابًا لبني بويه وقرأ هو القرآن وتفقه وفاق أهل عصره في الخط المنسوب حتى شاع ذكره شرقًا وغربًا‏.‏

ومن شعر أبي العلاء المعري من قصيدة‏:‏ ولاح هلال مثل نون أجادها بماء النضار الكاتب ابن هلال يعني بابن هلال ابن البواب هذا‏.‏

وقال هلال بن الصابىء‏:‏ دخل أبو الحسن البتي دار فخر الملك فوجد ابن البواب هذا جالسًا على عتبة الباب ينتظر خروج فخر الملك فقال له‏:‏ جلوس الأستاذ في العتب رعاية للنسب‏.‏

فغضب ابن البواب وقال‏:‏ لو كان لي الأمر ما مكنت مثلك من الدخول فقال البتي‏:‏ حتى لا يترك الشيخ صنعته‏.‏

انتهى‏.‏

وقد قال فيه بعضهم‏:‏ هذا وأنت ابن بواب وذو عدم فكيف لو كنت رب الدار والمال وفيها توفي محمد بن محمد بن النعمان أبو عبد الله فقيه الشيعة وشيخ الرافضة وعالمها ومصنف الكتب في مذهبها‏.‏

قرأ عليه الرضي والمرتضى وغيرهما من الرافضة وكان له منزلة عند بني بويه وعند ملوك الأطراف الرافضة‏.‏

قلت‏:‏ كان ضالًا مضلًا هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته فإن الجميع كانوا يقعون في حق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عليهم من الله ما يستحقونه‏.‏

ورثاه الشريف المرتضى ولو عاش أخوه لكان أمعن في ذلك فإنهما كانا أيضًا من كبار الرافضة‏.‏

وقد تكلم أيضًا في بني بويه أنهم كانوا يميلون إلى هذا المذهب الخبيث ولهذا نفرت القلوب منهم وزال ملكهم بعد تشييده‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏